تحليل مفاوضات الوصاية على- سورية

كيف نتعامل مع مفاوضات "غير مشروعة" من منظور ثوري متوافق مع "مبادئ" القانون الدولي

52

لا نتحدث عن "مفاوضات فيينا" بمعزل عن مشهد الثورة.. بكامل تفاصيله وأركان استيعابه ، ومن ذلك:

إسلاميا.. نقف بثورة شعب سورية على أرض صلبة فالله عز وجل يقول: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون} فالركون إلى الظالمين، يوجب أن تمسّنا النار ويحجب نصرة الله عز وجل.. القائل أيضا {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل. إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} فظلم الناس، كافة الناس، محرم، والبغي في الأرض، كل الأرض، محرم.

عربيا.. نقف بثورة شعب سورية على أرض صلبة، فهذه ثورة على ما سمّي "نظاما" وقد تأسس على خدمة المشروع الاستيطاني التوسعي الصهيوني، وغرق في خدمة المشروع الأخطبوطي الإجرامي الإيراني، ووصل بسورية إلى خدمة مشروع الهيمنة العدواني الروسي.. ناهيك عن علاقاته بهيمنة غربية وخدماته الجلّى لها.

إنسانيا.. نقف بثورة شعب سورية على أرض صلبة، فهذه ثورة لتحرير الإنسان، جنس الإنسان من إجرام همجي يستهدف الإنسانية والإنسان، لا سيما من يوصفون بالأقليات من مواطني سورية، سواء من والى واستجاب وأصبح من أدوات ارتكاب الجرائم الهمجية، أو من نأى بنفسه بقدر ما يستطيع، ففي الحالتين لا أمن، ولا سلامة، لأي أقلية، اعتمادا على حماية أي جهة أجنبية، إنما الأمن الدائم والسلامة الدائمة مرتبطان بحماية جميع مكونات الشعب لبعضها بعضا.

هذه بدهيات ثلاث، لا ينبغي فصلها عن بعضها، ولا ينبغي فصلها أيضا عن بدهية وقوفنا بثورة شعب سورية على أرض صلبة من صنع "مبادئ" القانون الدولي رغم "ممارسات" شرعة الغاب.

هذا بالذات ما يتعرض حاليا عبر مفاوضات فيينا وما سبقها للتمويه والتشكيك والتضليل، سواء نتيجة الأسلوب المتبع في الرفض المطلق لما يجري تحت عناوين "الحل السياسي" لقضية سورية، أو نتيجة ما يشبه الهذيان في وضع هالة "مشروعية دولية" مزعومة، تغيّب "مشروعية التزام المبادئ القانونية الدولية" وما تقتضيه، لصالح تزويق ممارسة منحرفة بعنوان "الشرعية الواقعية عبر الاعتراف الدولي" حتى أصبحت ستارا للخضوع لما تفرضه موازين القوة "المتقلبة" بين مرحلة وأخرى من مراحل التاريخ.

 

تمييز القانون الدولي العام عن ممارسة "شرعة الغاب"

بين أيدينا اليوم ما يجري في فيينا -كمثال- أثناء استمرار القمع والاعتقال والتعذيب والحصار والتجويع والقتل والقصف والتشريد في سورية، وهذا بعد أن حسب كثير منا أننا نمسك شيئا بأيدينا من خلال ما كان يجري في جنيف، أثناء استمرار جميع ذلك أيضا.

قد يُفرض وضع من الأوضاع على مسار الثورة في الفترة المقبلة، فلا ينبغي -رغم ذلك- الشك لحظة واحدة في أن استمرار الثورة حتى النصر، ينطلق أيضا من وقوفنا على أرض صلبة من مبادئ القانون الدولي، تتكامل مع الأرض الصلبة التي نقف عليها إسلاميا وعربيا وإنسانيا.

هذا ما "ندركه" نظريا وفكريا وسياسيا، باعتباره من "أسباب القوة" في "تعاملنا مع الآخر"، ولا يتناقض إطلاقا مع حتمية الاستمرار في استخدام أسباب القوة الميدانية أيضا، مع وجوب تصحيح كل انحراف وتصويب كل خطأ ومضاعفة الجهود الذاتية.. فلن تنتصر الثورة الشعبية إلا اعتمادا على القوة الذاتية، بجميع أشكالها، مع تنميتها وتطويرها وحسن توظيفها.

قد يترتب على ما يجري في فيينا حاليا، وفي جنيف من قبل، توافق دولي وإقليمي واسع لفرض وضع ما، بهدف تحديد معالم "سورية المستقبل"، وحاجتنا كبيرة للتأكيد، أنه سيكون آنذاك وضعا يمكن (ويجب) رفضه ونقضه وتغييره.. دون "انتهاك القانون الدولي"، فلا ينبغي "التهويل" من شأنه مسبقا للتخويف من أي عمل ثوري جاد، ولا ينبغي التهوين من شأنه أيضا، فسوف يتطلب مضاعفة الجهود المبذولة عبر أي عمل ثوري جاد، فالرداء المزيف تحت عنوان "مشروعية القانون الدولي"- يزيد العقبات المتراكمة على طريق صناعة "وضع آخر" له المشروعية فعلا وليس تزييفا.

١- إن ما يجري في فيينا ومن قبل في جنيف، يجري بأسلوب كان سائدا قبل استقرار مسيرة القانون الدولي على "مبادئ عامة" محددة صياغة وتوثيقا وتوافقا دوليا.

٢- هذه ممارسة "الوصاية على شعب".. أي شعب سورية، وفق طريقة معروفة قبل قرنين أو أكثر، عندما بدأت دول أوروبية صاعدة على سلم "القوة العسكرية" بممارسة أسلوب فرض الوصاية.. فكان بعضها يلتقي ليقرر مصير هذه الدولة أو تلك (كما جرى مع البلقان مثلا) أو إيجاد "حل سياسي" متوافق عليه بين تلك الدول المهيمنة حول هذه الأزمة أو تلك في غياب أطراف الأزمة أنفسهم (كاتفاقية سايكس بيكو).

٣- انتقلت هذه الطريقة إلى عصبة الأمم وحملت فعلا مسميات الوصاية والانتداب، ثم مع صياغة ميثاق الأمم المتحدة فقدت "قيمتها" وحلّت مكانها مبادئ عامة مثل "تقرير مصير الشعوب" و"سيادة الدولة" و"وحدة الأراضي التابعة لسيادة الدولة" و"عدم جواز ضم أراض بالقوة".. فهذه مبادئ في منزلة (المبادئ فوق القانونية) دوليا.. على غرار ما يعرف بتعبير (المبادئ فوق الدستورية) في نطاق دولة دستورية.

٤- مع انتشار ممارسات "الهيمنة والتبعية" خلال الحرب الباردة عادت طريقة الوصاية العتيقة إلى التطبيق خارج نطاق "منظمة دولية"، وأوصلت لاحقا (كأمثلة) إلى صيغة "المجموعة الرباعية" -كما في قضية فلسطين- والمفاوضات السداسية كما في قضية الملف النووي لكوريا الشمالية.

٥- اقتصر دور مجلس الأمن الدولي بالتالي على وضع "بصمته" على ما يتقرر خارج نطاقه، وفي الحالتين على "شرعنة" مزيفة لما تتوافق عليه الدول التي تمتلك "قوة" أكبر من سواها.

٦- لا تزال الدول التي "تحترم نفسها" تستخدم تعبير "قرارات المجلس" بينما نُشر في بلادنا تزييفا تعبير "قرارات الشرعية الدولية"، هذا "تضليل" محض.. فأي قرار يناقض مبدأ ثابتا في القانون الدولي العام، قرار غير مشروع وإن صدر عن مجلس الأمن الدولي.

٧- قرارات "الأقوى" هي "شرعة الغاب".. ولا يستر عورتها ابتكار تعبير "القانون الدولي التطبيقي" من جانب باحثين غربيين ينطلقون من واقع امتلاك الغرب القوة (المهيمنة) حاليا.. ونقله باحثون من الدول (التابعة)، أي الأضعف.

٨- "شرعة الغاب" هي "فرض الإرادة بالقوة" وتسري على أسلوب "الوصاية" المذكور آنفا.. ومن تطبيقاته "لقاءات جنيف ثم فيينا" بشأن قضية سورية.

 

قضية سورية على موائد فيينا

الأرض الصلبة لثورة شعب سورية بمنظور القانون الدولي تقوم على:

١- قضية سورية في الأصل.. قضية ثورة شعبية على نظام فاقد للشرعية.

٢- مشروعية الثورة تستند إلى "حق تقرير مصير الشعوب" وهو حق أصيل.

٣- تقرير المصير يعلو على "مشروعية السلطة" وراء "سيادة الدولة" فقيمتها ومشروعيتها مرتبطتان بمبدأ "سيادة الشعب عليها".

٣- تفتقر مفاوضات فيينا للمشروعية بسبب غياب "تمثيل شعب" سورية فيها غيابا كاملا، وليس بسبب غياب "حكومة سورية" لا شرعية لها أصلا.

٤- حتى على افتراض "جدلي" أن "النظام الانقلابي" غير المشروع ابتداء، حصل على شرعية مكتسبة لاحقا عبر "استفتاء" -مقبول بمعايير القانون الدولي- فإن الثورة الشعبية أنهت صلاحية تلك الشرعية "المكتسبة".. فالشعب الثائر يملك حق توكيل من يمثله وانتزاع ذلك التوكيل أيضا.

. . .

والسؤال المطروح في نهاية المطاف:

كيف نتعامل مع مفاوضات "غير مشروعة" من منظور ثوري متوافق مع "مبادئ" القانون الدولي؟

١- إن "غياب من يمثل الشعب".. هو الفراغ السياسي الأخطر الذي يجعل من يملك أسباب القوة يضاعف حاليا – في فيينا بعد إخفاق جنيف- الجهود المبذولة من أجل "فرض صيغة خارجية" تتجاوز "تمثيل‎ الشعب" بمعيار القانون الدولي.

٢- ما سبق "منطلق ‎نظري".. أما التعامل مع مفاوضات تصنعها "معادلات القوة" فيتطلب "تحركا عمليا على الأرض" بطبيعة الحال.

٣- ‎ولكن لا ينبغي "الاعتراف أو الإقرار" بأمر غير مشروع، أو التمويه عليه كما لو كانت له مشروعية، فليس في ذلك ما يخدم "قضية الثورة لتحرير الإرادة الشعبية" وفرض الحصيلة على أرض الواقع.

٤- الموقف المطلوب في التعامل -باسم الثورة- مع أي حدث كالمفاوضات، هو:

دعم كل عنصر فيها يخدم الانتقال من الحالة الثورية إلى حالة "تمثيل الشعب" وإقامة دولته على هذا الأساس.. جنبا إلى جنب مع رفض كل عنصر (ومقاومته) من شأنه أن يطيل أمد تغييب تمثيل الشعب وحقه في تقرير مصيره بنفسه، ومن ذلك إقامة دولته على أرض وطنه الموحدة، بسيادة كاملة، واستقلال ناجز، وقابلية التعاون الخارجي.. بشرط الحيلولة دون أي شكل من أشكال الوصاية الخارجية.

نبيل شبيب