ذاكرة ثورية – جيل مستقبل الغوطة
إن الدعم الفعال لبناء جيل المستقبل داخل الوطن دليل على صدق الوفاء للشهداء وأبنائهم والجرحى والمعتقلين وذويهم
مسابقة لكتابة القصة القصيرة، في مرحلتين، وجوائز تشجيعية، ومشاركة شاملة للمئات من الناشئة والشباب، وأساتذة ضليعون في اللغة العربية وفن القصة، ومساعدون مبدعون من جيل الشباب.. جميع ذلك يمكن أن نشهده في ظل وضع مستقر ونظام حكم قويم وظروف اعتيادية.. أما أن يكون جزءا مما يصنعه أهلنا في غوطة دمشق على مستوى رفيع من الحرفية والوعي والعطاء والإنجاز، فذاك ما يشهد على إبداع هذه الثورة الشعبية التاريخية.
ومن يرى الشباب الناشئين في ظل تلك الجهود الهادفة، ويستمع إليهم، يزداد يقينه بأن مستقبل بلادنا سيكون في أيد أمينة إن شاء الله.. ولقد شرفتني الهيئة الشرعية في دمشق والغوطة (الغوطة الشرقية) ففسحت لي المجال للحديث (عبر السكايب) في جمع كريم من الشباب والأساتذة الكرام، في لقاء انعقد مع اختتام مرحلة من المسابقة لكتابة القصة القصيرة، وحرصت خلال الحديث على الاستماع لا الكلام فقط، وأعترف بأنني فوجئت بما سمعت، وأكاد أقول إنني أحرجت بأن يطلب لمثلي أن يلقي "كلمة توجيهية"، وازددت اقتناعا بكلمة عشت معانيها وتطبيقها مع أستاذي الجليل عصام العطار، أنه لا يوجد أصغر من أن يعلم ولا أكبر من أن يتعلم.
لقد كانت هذه التجربة إضافة بالغة القيمة لعدد من التجارب الأخرى التي سبق الاطلاع عليها، وشعرت من خلالها أن الانقطاع كرها عن جيل المستقبل في سورية بسبب غربة ناهزت الخمسين سنة، قد أوجد -رغم المتابعة المتواصلة قدر المستطاع- تصورات ليست إيجابية بمجملها، فكنت أكتب أحيانا عن دور الشباب في مستقبل بلادنا "تشجيعا.. وتفاؤلا" وكان قسط من ذلك تشجيعا ذاتيا وتشبثا بالأمل رغم كثرة المحن وتراكم المظالم، إلا أن ما اطلعت عليه مباشرة حتى الآن، حوّل الأمل إلى يقين، والتشجيع إلى "استحياء"، وكان مما اطلعت عليه مثلا كيف يضع أساتذة شباب مناهج للتعليم تعتمد أسلوب المشاركة المباشرة للتلاميذ بعيدا عن أسلوب التلقي والتعليم النظري المحض، وهو أسلوب عرفناه ببعض أشكاله في مناهج التدريس في دول متقدمة، فبدا لي أنه أكثر تقدما وضبطا، لا سيما مع اقترانه بمنظومة القيم التي لا غنى لمنظومة تربيوية وتعليمية عنها، بينما صنع غيابها في مناهج دول متقدمة كثيرا من الكوارث على حساب تكوين الإنسان الفرد، والعلاقات الاجتماعية والتوجهات "الثقافية"، فباتت وسائل التقدم التقنية الحديثة مفتقرة إلى ما يوجهها إيجابيا، ولهذا يساء استخدامها رغم قيمتها الحضارية الذاتية الكبيرة.
ولا أطيل في سرد المزيد، فالكلام لا يغني عن المشاهدة، والحديث لا يصلح بديلا عن الإسهام في البناء، لا سيما وأن ما يصنعه إخواننا وأخواتنا في الغوطة وسواها، رغم الحصار، ورغم الآلام، ورغم ضعف الإمكانات إلى أبعد الحدود، يضع القادرين على تقديم الدعم المادي والمعنوي، لا سيما ممن يعيش في أوضاع آمنة نسبيا خارج الحدود، أمام مسؤولية جسيمة، فالعطاء المطلوب قطعا لدعم مسار الثورة نحو النصر ميدانيا وسياسيا واقتصاديا، لا يكتمل مفعوله دون دعم مسار الثورة على طريق البناء الفعلي للمستقبل، ويستحيل تحقيق ذلك دون بناء جيل المستقبل، لا سيما عبر أولئك الذين يحرصون على العمل المميز داخل حدود الوطن، ويقدمون من خلال عطاءاتهم ما هو جدير بوصفه -دون تردد- بالمعجزة التاريخية.
إن دعمهم الفعال، في مقدمة ما نعطيه من دليل أننا حريصون حقا على الوفاء للشهداء وأبنائهم والجرحى والمعتقلين وذويهم، وعلى شعبنا وثورته المستمرة حتى النصر المؤزر بإذن الله.
نبيل شبيب