مقالة – أوباما على خطى سلفه في صناعة الإرهاب والتطرف

يصعب اتهام "رئيس دولة عظمى" بالجهل أو الغباء.. فهل نتحدث بفكر المؤامرة إذا قلنا: إنه يصنع ما يصنع عن سابق علم وإصرار؟

43

يبدأ أثناء كتابة هذه السطور (١٨/ ٢ / ٢٠١٥م) مؤتمر آخر بدعوة من الرئيس الأمريكي أوباما وحضور ممثلين عن ستين دولة، تحت عنوان "مكافحة التطرف" وهو عنوان أوسع بكثير من كلمة "مكافحة الإرهاب".

هذا مؤتمر يثير تساؤلات عديدة، كالتي أثارها قبل سنوات مؤتمر مشابه في شرم الشيخ، تحت عنوان "مكافحة الإرهاب".. ومن أراد استشراف نتائج المؤتمر الجديد، فلينظر في نتائج القديم، عبر المقارنة بين ما كان آنذاك وما أصبح موجودا اليوم في واقع البشرية على الخارطة العالمية.

آنذاك.. كانت تطرح تساؤلات مشابهة، وقليلا ما وجدت أصداء تتصدى لبريق الدجل السياسي والإعلامي، بحيث نتجنب المشاركة في السقوط في مستنقع "الفوضى الهدامة".. فهل تتكرر الأخطاء مجددا؟ ومن يدفع الثمن؟

 

من هي الدولة الداعية؟

في مقدمة ما يثيره هذا المؤتمر من تساؤلات: ما هي هذه الدولة "العظمى" الداعية للمؤتمر؟

الولايات المتحدة الأمريكية التي تتزعم "مكافحة التطرف" مثل تزعمها للحرب ضد "الإرهاب"، وكذلك تزعمها لدعوات الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان.. دولة لم ينقطع فيها ما يعبر عن التطرف والإرهاب والإجرام منذ نشأتها الأولى.

لندع جانبا الهنود الحمر.. والتمييز العنصري.. واستعمار معظم دول أمريكا الوسطى والجنوبية.. ولندع أيضا هيروشيما.. وفييتنام.. وجوانتانامو.. وأبو غريب.. ولندع ثالثا ما أبدعته أمريكا وصدرته، مثل ظاهرة القتل العشوائي، وظاهرة قتل الأطفال، وبقية المسلسل حتى الحلقة الحالية من حلقاته: كيفية التعامل الرسمي والإعلامي مع جريمة القتل التي سقط ضحيتها قبل المؤتمر بأيام معدودات ثلاثة من الطلبة المسلمين في ولاية  كارولاينا..  

لندع جميع ما سبق ولنسأل: كيف تفهم الدولة الداعية للمؤتمر مسألة التطرف والإرهاب "سياسيا" على المستوى العالمي الآن؟

من بين مواقفها الأخيرة المعبرة: اعتبار الغارات السيسية على مدينة درنة الليبية "دفاعا عن النفس"، دون مراعاة ما ثبت بشأن قتل مدنيين، منهم أطفال لم يبلغوا "سنّ ممارسة الإرهاب ولا التطرف بعد"..

هو موقف سياسي أمريكي "قيميّ" بامتياز!

موقف أمريكي رسمي ينطلق من ذات المعيار "القيمي السياسي" الذي تستخدمه واشنطون في اعتبار الحروب الإسرائيلية على أهل غزة "دفاعا عن النفس"، حيث ترتفع حصيلة الضحايا من الأطفال أيضا..

كأنما أصبح ‎"القتل" وسيلة دفاعية وقائية مشروعة.. كيلا يكبر جيل جديد من "الإرهابيين!"..

أو كأن من تدافع عنهم ممن يرتكبون جرائم القتل فتشمل النساء مع الأطفال، قد أخطؤوا في تقليد فرعون عندما كان "يستحيي النساء" على الأقل ويقتّل الأطفال من دونهن!

الجدير بالذكر.. أن إجراءات فرعون "الوقائية" لم تغن عنه من الله شيئا، فغرق في اليمّ، وحقت عليه اللعنة إلى يوم يبعثون!

 

شركاء.. أم أعداء؟

التساؤل الثاني حول التمهيد لانعقاد المؤتمر والتمهيد للنتائج التي يراد سلفا الوصول إليها..

في الفترة ما بين تشكيل ما سمي "التحالف ضد إرهاب داعش" وبين هذا المؤتمر، كان من "إنجازات داعش" أو من يتسمى باسمها، سلسلة أعمال "إرهابية" استعراضية، طالت مناطق أو أشخاصا من فرنسا، واليابان، والأردن، والدانمارك، ومصر، وتونس، ونيجيريا، والكاميرون.. وغيرها، فضلا عما قيل عن عمليات كُشفت قبل تنفيذها في بلجيكا وألمانيا وغيرها..

بتعبير آخر: لقد قدم مرتكبو هذه الأعمال المقترنة بإنتاج آلة دعاية إعلامية من الدرجة التقنية الممتازة.. (أنجح من حملات المهرجانات الخطابية في انتخابات أمريكية) قدموا جميع ما يحتاج إليه أوباما ورهطه، لكسب مزيد من التأييد "الرسمي" خارجيا و"الشعبي" داخليا، لخطوات جديدة، لا شك أنه خطّط لاتخاذها في المؤتمر الجديد.. والسؤال: هل تتبع داعش وأخواتها، لأوباما وحكومته ومخابراته، أم أن الأمر مجرد "توافق ضمني" في توجيه المسار المطلوب إرهابا وإرهابا مضادا؟

 

ما جدوى المؤتمر؟

تساؤل ثالث عما يمكن أن يتحقق من خلال ما يتم عبر المؤتمر.. فالأمر المحوري بهذا الصدد: ألا يعلم أوباما أن جميع الأساليب المطروحة قديمة جديدة، أي هي متبعة بأشكال قمعية مختلفة منذ عقود، تحت عنوان مكافحة الإرهاب والتطرف ومن قبل تحت عناوين مكافحة "الأصولية.. والرجعية.. والظلامية" إلى آخره، وجميعها أوصل -دون قصد؟- إلى نشأة تنظيمات إرهابية متضخمة ومتفرخة عن بعضها بعضا، حتى أصبحت بدورها ذريعة لمثل هذا المؤتمر الجديد في واشنطون؟

ألا يعلم أوباما ورهطه من حزب الديمقراطيين، أنهم بما يمارسون من سياسات إنما ينفذون ما طرحه "سلفه" بوش الصغير من الجمهوريين، أو من "المحافظين الجدد"، وعبرت عنه وزيرة خارجيته بكلمة‎ "الفوضى الخلاقة".. وما هي على أرض الواقع -ومن حيث الهدف الحقيقي- سوى فوضى هدامة، تستهدف الإنسان والأوطان، لتستمر هيمنة نفعية شيطانية، لم يعد يبدو في ملامحها أثر للإنسان وإنسانيته وكرامته، وجميع ذلك تحت عنوان حرياته وحقوقه وديمقراطيته.. ومكافحة الإرهابيين والمتطرفين.

يصعب اتهام "رئيس دولة عظمى" بالجهل أو الغباء.. فهل نتحدث بفكر المؤامرة إذا قلنا: إنه يصنع ما يصنع عن سابق علم وإصرار؟

 

حلفاء.. أم أجناد؟

التساؤل الرابع يهمنا أكثر لأنه يرتبط بدور بني جلدتنا، داخل أوطاننا، أو المتسلطين على مفاصل صناعة القرار وتنفيذه رغما عنا داخل أوطاننا.. هو تساؤل يطرح نفسه حول ما يتناوله المؤتمر بالبحث من وسائل لتحقيق أهدافه، ومنها كيفية التعامل مع أصحاب التأثير على المجتمعات المعنية، من علماء ومفكرين وأدباء وأساتذة ومربين وفنانين ومراكز ثقافية وما شابه ذلك، وكيفية التعامل مع المؤسسات المالية، ومع وسائل التواصل الاجتماعي وسواها من وسائل الاتصال بين البشر..

كلمة التعامل هنا من قبيل الكناية كيلا نقول: "تجنيدهم وتجنيدها" أو "استخدامهم واستخدامها" عبر ما يسمونه "قوانين" جديدة، وأنشطة استخباراتية، ووسائل أخرى.

في مصر مثلا لا يحتاج أوباما ورهطه للبحث طويلا.. فسيجدون ما يكفي من المتعاونين من "ذوي التأثير المجتمعي!".. أو هكذا يعتبرون أنفسهم، والمقصود أولئك الذين غرقوا حتى آذانهم في دعم الانقلابيين وجميع ما فعلوه من أعمال لمكافحة "الإرهاب والتطرف.. والشعب"!

أم أين تصنف الدولة التي تعتبر نفسها زعيمة العالم "الحر" ما تراه في مصر من اغتيال "الحرية والكرامة والحياة" في الجامعات والشوارع والميادين والمحاكم والمعتقلات.. والآن في دول الجوار؟

في فلسطين أيضا كمثال آخر، لا حاجة للبحث طويلا، إذ يوجد من يضع "الكوفية" على رأسه، ويتناوب مع الإسرائيليين على حملات الملاحقة والاضطهاد والاعتقال وحتى الحصار، ضد منتسبي المقاومة "الإرهابية".. أي من يصرون على حتمية استخدام القوة لتحرير فلسطين.. وقد اغتصبت بالقوة، وامتلأت بالمستعمرات.. بالقوة، على طريق مستعمرة تل أبيب الأولى قبل زهاء مائة سنة.

لن يواجه أوباما مشكلة حقيقية في العثور على "متعاونين" لتنفيذ ما يحب ويرضى.. ولو كان فيه غضب ذي العزة القهار، وذلك على صعيد مناهج التعليم، والخطب الدينية، ووسائل توصف بالإعلامية، وفضائيات غوغائية، ومصارف مالية، ووزارات "الثقافة"، وحملات ومسابقات ومنتجات تنتحل وصف "فنية" بل حتى "محاريب القضاء"، ناهيك عن "معتقلات إنسانية!" تضج بضحايا ما يمارسه سجانوهم من التطرف والتعذيب والإرهاب والهمجية!

لن يجد أوباما ورهطه مشكلة كبيرة في العثور على من يتبعه ولو دخل جحر الضبّ.. ولكن المتعاونين سيجدون حتما "مشكلة" مع شعوبهم.. ثم يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا.

. . .

تساؤل أخير:

هم يفعلون ما يفعلون.. فما الذي علينا فعله؟

هل ندرك حقا الموقع التاريخي في واقع البشرية، والذي اتخذته "ثورة الإنسان" في بلادنا، على الظلم وإجرامه الهمجي.. المحلي والدولي، وعلى التطرف وإرهابه الهمجي.. المحلي والدولي، سيان من يمارس الظلم أو يقترف الإرهاب، وسواء وضع قبعة غربية أو لبس عباءة مزورة أو تكلم بلكنة عربية وروح أمريكية؟

ولئن أدركنا ذلك الموقع التاريخي للثورة..

هل يجوز أن نفكر أصلا بأي خطوة من خطوات التراجع قيد أنملة عن مسار الثورة التغييري في واقع بلادنا والعالم؟

هل يجوز أن نقدم على أي عمل يصنع التفرقة أو الانحراف عن أهداف تحرير الإنسان والأوطان ومستقبل أهلنا والأسرة البشرية في عصرنا ومن بعدنا؟

هل يجوز أن نقبل لأنفسنا حتى مجرد البقاء في مواقع التردد عن مضاعفة العمل لاتخاذ أسباب النصر للشعوب التي تدفع ثمن تحررها وكرامتها من دمائها ومعاناتها؟

نبيل شبيب