مطالعة – محمد الهواري: المخدرات
هذا التعريف الموجز غاية الإيجاز بالكتاب ونهج مؤلفه فيه، لا يغني قطعا عن الرجوع إلى الكتاب نفسه
"جاء هذا الكتاب الذي نقدمه اليوم، في وقته المناسب حيث أصبحت الحاجة ماسة لمعرفة الآثار الخطيرة التي تخلفها المخدرات في النفس والعقل والنسل والمجتمع، وبعد أن أصبح تناول المخدرات جائحة عامة، لعله يساهم بإيقاف الداء الذي بدأ ينتشر نحو عالمنا الإسلامي، مستغلا فقر الفقراء وفسق المترفين، خاصة وأن المؤلف الأستاذ الدكتور الهواري يمتاز بأنه يجمع بين التخصص العلمي الدقيق، والمشاهدة الميدانية لضحايا المخدرات في المجتمع العربي. لذلك لم يقتصر على رصد آثار المخدرات في النفس والمجتمع وبيان أسباب تعاطيها، وإنما أضاف إلى ذلك دراسة مستقصية متخصصة للمخدرات وتركيبها وأوصافها والمظاهر السلوكية التي تترافق معها والأمراض التي تلازم أصحابها مما يوسع دائرة الإفادة ويجعل الكتاب في حاجة المتخصصيين والتربويين ودعاة الإصلاح الاجتماعي، وعلماء النفس، والسلطات المعنية بمكافحة التهريب، إلى جانب ما يمنحه من ثقافة ضرورية للفرد المسلم بشكل عام".
هذه الكلمات من "تقديم" كتاب "المخدرات من القلق إلى الاستعباد" للدكتور محمد محمود الهواري، رحمه الله، والتقديم بقلم الدكتور عمر عبيد حسنة، المفكر والكاتب والإعلامي الكبير، مدير تحرير مجلة "الأمة" التي كانت في الثمانينات من القرن الميلادي الماضي "أرقى" المجلات الإسلامية مضمونا وإخراجا وأبعدها انتشارا، واقترنت بإصدار "كتاب الأمة" شهريا الذي حمل البصمة الفكرية والثقافية الواسعة النطاق للشيخ عمر عبيد حسنة من خلال مقدماته في السلسلة التي تصدر حتى الآن عن رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية التابعة لوزارة الأوقاف في قطر، وكان كتاب "المخدرات من القلق إلى الاستعباد" الكتاب الخامس عشر من هذه السلسلة القيمة، صدر في شوال ١٤٠٧هـ (حزيران/ يونيو ١٩٨٧م)، بقلم يجمع صاحبه بين "الخبرة العلمية التخصصية"، و"الحرص الإنساني" العميق على أمته وبلاده، والمجتمع وشبابه وبناته وأطفاله، فضلا عن العلم بالإسلام بمقاصده وفقهه وما يريده من خير للإنسان والمجتمع.
أما الكاتب الذي عرفناه، إنسانا، وعالما، وداعية، وعاملا لا يكل ولا يمل ولا يقعده المرض عن أداء واجبات عديدة في أنحاء العالم حتى في فترة مرضه الشديد لسنوات عديدة، الضليع في علوم اللغة العربية والفقه والتجويد وعلم الفلك، فهو الأستاذ الدكتور محمد محمود الهواري، الصيدلي، الكيميائي، بدرجة دكتوراة في العلوم الصيدلانية والمتخصص في الكيمياء الغذائية الصناعية، من جامعتي دمشق وبروكسل، تخصص بين عامي ١٩٥٦ و١٩٦٢م، ولم ينقطع عن متابعة تخصصه إلى جانب متابعة العلوم الشرعية وسواها منذ ذلك الحين، والأستاذ الجامعي في كلية الصيدلة، ومؤسس مختبرات التحليل في مستشفى المواساة وفي كلية الصيدلة في دمشق والمشرف عليها لسنوات عديدة، والعضو في بضع عشرة هيئة علمية تخصصية إقليمية ودولية، وصاحب العديد من الأبحاث العلمية في تخصصاته الكيميائية والصيدلانية والفلكية، والمشارك في عشرات المؤتمرات الإسلامية الفقهية والدعوية والعلمية في أنحاء العالم..
على هذه الخلفية العلمية والدعوية كان أحد مؤلفاته موضع التعريف هنا "المخدرات من القلق إلى الاستعباد" متفردا بمضمونه وقيمته، العلمية والتوجيهية، وقد صدر في أكثر من ٢٠٠ صفحة، احتوت -إضافة إلى التقديم المذكور أعلاه- مدخلا بقلم المؤلف رحمه الله، وثلاثة أقسام، فأشار في المدخل إلى انتشار سموم المخدرات والاعتداء من خلالها على نعمة العقل البشري، وإلى الخطأ الجسيم في النظرة إلى الأطباء أنهم يعالجون المرض بعد وقوعه، مؤكدا ضرورة العمل على اتخاذ الإجراءات العملية والتربيوية للوقاية من الإصابة.. "من هنا جاءت عنايتنا بهذه المشكلة، وإعدادنا لهذه الدراسة التي نضعها بين يدي شبابنا الإسلامي والعربي ومسؤوليه ليطلعوا عن كثب على أخطار هذه السموم الفظيعة، فيتقوها قبل أن يقعوا فيها. وبذلك يحفظون دينهم وصحتهم ومالهم ووقتهم وعقلهم ونسلهم ويساهمون مساهمة فعالة في بناء أمتهم في عصر أشد ما نحتاج فيه إلى طاقات الشباب وجهودهم في البناء والتنمية.. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل".. كما يقول -رحمه الله- في خاتمة المدخل.
ويضيف إلى المدخل قبل أقسام الكتاب الثلاثة أربعة فصول، يعود فيها إلى تاريخ انتشار المخدرات، ويعرف فيها المخدر، ويصنف أنواع المخدرات، ويبين مخطط الدراسة التي تضمها الأقسام التالية، ويحمل القسم الأول منها عنوان "المخدرات التقليدية": الأفيون والخشخاش، والقنب الهندي/ الحشيش، والكوكائين، والقات، والمهلوسات/ السموم النفسية، والمنومات والمهدئات/ المسكنات، والإمفيتامينات، والتبغ، والقهوة والشاي وأشباههما، ومتفرقات تولد الإدمان كالمشروبات الغولية/ الكحولية، والمذيبات الطيارة والصموغ.
ويأخذ هذا القسم الجزء الأكبر من الكتاب، إذ يشرح المؤلف المتخصص تحت كل عنوان، شرحا علميا مبسطا في الصياغة، التركيب العضوي لكل مادة، والجانب المؤثر على العقل فيها، وكيف يقع الإدمان ويتفاوت تأثيره بين مادة وأخرى، وما هي النتائج الصحية ودرجات الخطورة المرتبطة بها، ويفصل في ٢٠ صفحة في القسم الثاني ما تعنيه الإصابة بالإدمان، من حيث مراحله المتتالية، بدءا بمرحلة الاعتياد على المادة المعنية، وصولا إلى مرحلة استعبادها لمن يتعاطاها، ثم من حيث الآفات المرتبطة بالمخدرات، في عشر فقرات تتناول تأثيرها على أعضاء الجسم وأجهزته، بدءا بالجلد انتهاء بالجهاز العصبي.
ويكمل هذا الجانب العلمي في الكتاب بإحصاءات -من فترة صدور الكتاب- تشمل توزع انتشار تعاطي المخدرات على الفئات العمرية، والذكور والإناث، ومن حيث نسب نوعية ما يجري تعاطيه، والمصادر التي تحمل المسؤولية الأولى عن انتشار المخدرات في عالمنا.
ورغم أن القسم الثالث تحت عنوان "المخدرات بين الفقه والقانون" لا يتعدى ١٠ صفحات، إلا أنه يجمع في ثلاث فقرات موجزا لأقوال الفقهاء، وإلحاق بعضهم الحكم على المخدرات بالحكم على المسكرات، وما يترتب على ذلك من منطلق "إزالة العقل"، وما تقول به القوانين الحديثة في الغرب وفي بعض البلدان الإسلامية.
ليختم الكتاب في "كلمة أخيرة" مما يقول فيها:
"والذي يثير عجبنا أن نجد كثيرا من مؤسسات البحث العلمي المترفة تصرف الأموال الطائلة بمليارات الدولارات لكي تتعرف بدقة على الأسباب التي تدعو الشباب وباقي أفراد المجتمع إلى إدمان المخدرات. والعلة كامنة في الوقاية أولا ثم في العلاج، ولو بذلت المؤسسات العالمية عشر ما تبذله المؤسسات المترفة، وسارت في البحث عن طرق الوقاية لنجت البشرية من هذا الوحش الكاسر".
. . .
وبعد.. فإن هذا التعريف الموجز غاية الإيجاز بالكتاب ونهج مؤلفه فيه، لا يغني قطعا عن الرجوع إلى الكتاب نفسه، والذي لم يفقد شيئا من قيمته لحظة كتابة هذه السطور من عام ٢٠١٥م، رغم مرور ٢٨ عاما على نشره، فالمشكلة التي يعالجها ازدادت تفاقما على المستوى العالمي، وتوغل انتشارها في البلدان العربية والإسلامية أكثر مما مضى، وأصبح جيل المستقبل أحوج ما يكون إلى الاطلاع على الخلفية العلمية التخصصية علاوة على الوازع العقدي والخلقي والسلوكي والتربيوي، لا سيما ونحن نرصد في هذه الأيام بالذات مدى الاستغلال الكامن في العمل على نشر "المخدرات" وما يلحق بها، في أوساط المشردين من أهل بلادنا، بفعل أعاصير التحرك الانقلابي على الثورات الشعبية لتحرير الإنسان وإرادة الإنسان وواقع الإنسان من أوبئة العصر جميعا، وفي مقدمتها الأوبئة التي تستهدف "العقل البشري" لحرمانه من التفكير ومن القدرة على إدارة شؤون حياته بنفسه، وليس تحت هيمنة قوى الاستبداد والاستغلال اجتماعيا وليس سياسيا واقتصاديا فقط.
نبيل شبيب