رأي – سلاح التجويع الدولي والعربي

أصبح أسلوب "التجويع" يجمع بين بقايا نظام الأسد، وأولئك الذين لا يفتؤون يقولون إنه فاقد للمشروعية

34

السطور التالية يمليها “الوضع الراهن” في اللحظة الآنية، يوم الاثنين ٢/١٢/٢٠١٤م، ويرجو كاتبها أن تتبدل المواقف والممارسات.. وأن تجد التساؤلات المطروحة أجوبة تختلف عما توحي به المعطيات الحالية.

. . .

حتى الآن لا تزال قيادة التحالف الدولي الأمريكية ترفض أن تتضمن “استراتيجية أوباما” ما يزعج بقايا النظام في سورية، وهذا ما تجلى بقوة في استقالة وزير الدفاع الأمريكي بعد تصريحات عديدة كان من بينها أن استهداف داعش يحقق فوائد لصالح بقايا النظام الأسدي، كما تجلى في استمرار الخلافات مع تركيا حول شروطها الأربعة المعروفة للانضمام الفعال للتحالف.

قد يجد أهل التحليلات السياسية عبر المنظور الأمريكي والغربي تفسيرا ما لهذا الموقف “الاستراتيجي”، ولكن سيان هل يقنع أو لا يقنع، ما هو تفسيرهم للامتناع عن تنفيذ التزامات مالية سبق إعلانها وسط هالة “سياسية إنسانية” وصخب إعلامي كبير، في أكثر من مؤتمر انعقد في الكويت حول دعم الشعب السوري ماليا، بعد أن أصبح نصفه من اللاجئين والنازحين داخل الحدود وخارجها؟

خلال سنوات الثورة كان عدم وفاء الغربيين بالالتزامات المالية يجد تعليلات غريبة من قبيل تجنب أن يصل الدعم المالي إلى الثوار المقاتلين -وهذا بحد ذاته منقصة فاضحة لمن يزعمون “صداقة” شعب سورية الثائر- ولكن ‎ما الذي يفسر انقطاع تزويد برنامج الغذاء العالمي بما يمكنه ماليا من متابعة تقديم بعض الغوث المادي المحدود أصلا، للمشردين في لبنان والأردن ومصر على وجه التخصيص، وليس داخل سورية الدامية فحسب؟

وإذا كانت السياسات الغربية تشمل فيما تشمل ممارسة الضغوط عبر “حصار التجويع” على غرار ما تصنع بقايا القوات الأسدية وداعميها مع قطاعات شعبية كبيرة في مناطق الحصار، لا سيما في الغوطتين وحمص، فعلام لا تنفذ الدول الخليجية التزاماتها المالية تجاه البرنامج الدولي على الأقل، وهي التي أثبتت قدرتها على التحرك -وفق إرادتها السياسية- بسخاء مالي كبير في دعم الانقلابيين في مصر وليبيا على الأقل؟ ومن يدري ما الذي ستأتي به الأيام القادمة في أسلوب التعامل مع ثورة شعب سورية، عندما نرصد -مثلا- إعادة فتح سفارة لبقايا النظام المترنح في دولة الكويت، العضو في مجلس التعاون الخليجي.

. . .

هل يتصور صانعو القرار السياسي في الغرب وفي الخليج أن أسلوب “التجويع” يمكن أن يؤدي في سورية إلى ما أخفقوا في تحقيقه عبر معاييرهم الشاذة لتصنيف السوريين ولا سيما المقاتلين وتحريض بعضهم على بعضهم، أو ما عجزت عنه بقايا النظام الأسدي، عبر التقتيل والتشريد والتعذيب؟

قد يمكن لمن يفسر القرارات السياسية “المتحررة” من‎ التزام قيمي أو أخلاقي، أن يتقبل حظر الدعم المالي عن الثوار المستقلين عن الارتباطات الخارجية، بل وتوظيفه لانتزاع الثورة من مسارها الشعبي، بحجة “التوجهات الإسلامية” لأولئك الثوار، رغم ما خاضوه من جولات متوالية في مواجهة “داعش” جنبا إلى جنب مع جولاتهم في مواجهة بقايا النظام.. ولكن ما الذي يفسرون به قطع الدعم المالي لتأمين لقمة الطعام والدواء واللباس، لصالح المشردين؟

هل بات “التجويع” سلاحهم لتهييج الحاضنة الشعبية للثورة ضد الثوار؟

قد تقع ممارسات من جانب بعض الثوار يجري تعميمها فتساهم في تهييج الحاضنة الشعبية، ولكن يوجد لدى شعب سورية، حتى وهو في قلب المعاناة من الحصار والإجرام والتشريد، ما يكفي من الوعي المتجسد في عبارة (ما لنا غيرك يا أالله) ليدرك أن أسلوب “التجويع” لا علاقة له بممارسات الثوار، ولا باتجاهاتهم، بل بات “عنصرا مشتركا” في الحرب على شعب سورية، يجمع للأسف بقايا نظام الأسد، وأولئك الذين لا يفتؤون يقولون إنه فاقد للمشروعية.. فمتى يتخلون عن ممارسات متوالية، تنزغ عن كلامهم البقية الباقية من المصداقية، ناهيك عما تفرضه “قيم إنسانية وأخلاقية” على الأقل.

نبيل شبيب