العلمانية تعتقل الديمقراطية

دردشة عابرة

ولدت الديمقراطية في عصر الإغريق قبل خمسة آلاف سنة كما يقال فمتى ولدت العلمانية ووضعتها في معتقلها

85
حوار

ــــــــــ

انكبّ على أوراق بين يديه وقلّبها مجددا، ربما للمرة العاشرة، كأنه يتجنب حديثا بيننا وقد جمعنا هذا المكان على غير سابق ميعاد، فبادرته بالسؤال:
– ما رأيك بما يتردد عن اكتمال المشاورات حول تشكيل ما سمّوه “اللجنة الدستورية” لسورية؟
قال:
– الأصل أن يشكل الشعب لجنته الدستورية وليس قوى أجنبية.
– هذا صحيح.. ولا أتوقع خيرا كبيرا من هذه اللجنة، ولكن هل تسمح أوضاع شعبنا الحالية بأن يشكل لجنته بنفسه؟
أجاب:
– عندما أقول الشعب أعني النخبة السياسية.
تجاهلت معرفة كلانا بإخفاق ما يوصف بالنخب السياسية حتى الآن، وقلت:
– قد نحتاج إلى الانطلاق من دعوة جديدة لجمع المتخصصين ومن يتحدثون باسم التيارات السياسية وفئات شعبية متعددة على “خارطة طريق” مشتركة لصياغة الدستور مستقبلا.
قال باقتضاب:
– لا جدوى من ذلك دون صياغة “مبادئ فوق دستورية”.
قلت:
– حسنا فلتكن الدعوة إلى “خارطة طريق” تبدأ بذلك.
لاحظت التبرم على وجهه وهو يقول:
– أنت تتحدث عن دعوة تيارات سياسية وأعلم ماذا تقصد، وهذه تغطية على رغبتك بمشاركة الإسلاميين.
قلت:
– هذا صحيح.. ولا أسميه تغطية، إنما أقصد لقاء للمتخصصين الدستوريين أولا، ثم الأمل في أن يشمل التشاور والتفاهم حضور الإسلاميين على تعدد توجهاتهم السياسية مع العلمانيين على تعدد توجهاتهم السياسية.
قال بحدة:
– لا علاقة للإسلام بالسياسة.
– ألا ترى معي أن قطاعات كبيرة من الشعب – وهو مصدر السلطات – تخالفك الرأي، فهل يفيد وضع صياغات دستورية مع تجاهل توجهات شعبية واسعة؟
وجاء جوابه سريعا:
– رغم ذلك.. لا علاقة للدين بالسياسة، والمبادئ فوق الدستورية تعلو فوق إرادة الغالبية الشعبية.
– هذا صحيح أيضا.. ولكن أنت تدعو إلى دستور ديمقراطي فكيف نصل إليه دون “توافق” بين ممثلي التيارات المختلفة على تلك المبادئ فوق الدستورية!
ولأول مرة منذ بداية الحديث التفت نحوي بكليته ليقول:
– أنت تخلط الأمور ببعضها.. كلا لا تقوم أي دولة حديثة إلا على العلمانية والديمقراطية معا، أما الدين فهو شأن خاص، لا علاقة له بالسياسة، وهذا هو الخطأ الأكبر الذي ترتكبونه أنتم الإسلاميون.
قلت في نفسي: يقال إن الديمقراطية ولدت في عصر الإغريق قبل خمسة آلاف سنة، فمتى ولدت العلمانية ووضعتها في معتقلها؟ أما طال بنا انتظار نشأة نظام ديمقراطي لا يسمح بطرح مناهج سوى مناهج علمانية ثم لا يكون استبداديا على غرار ما انتشر في بلادنا على امتداد العقود الماضية؟
وظننت أنني سأستفزه إذا واجهته بذلك فقلت أملا ببيان موقفي وتخفيف حدّة الجدال:
– معذرة، نعم أنا إسلامي عقيدة وفكرا ومنهجا، وإن كنت خارج التنظيمات الحركية، ولم أعد أدري كيف يشملني التعبير عن إرادة الشعب في بلدي، كمرجعية مشتركة للجميع.
ويبدو أنني بدلا من تخفيف حدة الجدال قد أزعجته كثيرا، إذ حمل أوراقه ومضى.

نبيل شبيب