تحليل – إيران في التحالف الأمريكي

وضع "داعش" في الواجهة، لا يواري حجم ما يجري العمل لتحقيقه، مع تبرير التحرك الغربي وحملة متجددة للتنفير من الإسلام نفسه

54

وُضعت مشكلة "داعش" في الواجهة، ولكن ما يجري أكبر بما لا يقاس من "مشكلة داعش"، التي لا تحتاج قطعا إلى سنوات في الأصل، ولكن يمكن "تمديد" التعامل معها سنوات ليمكن تحقيق الأهداف الأكبر الكامنة في إعادة ترسيم معالم "الخارطة السياسية الإقليمية".. وهنا يتخذ موقع إيران "مستقبلا" مكانا محوريا، ينبغي النظر فيه على أرضية مجرى الأحداث الحالية.

 

هل يوجد تنسيق للتحالف الأمريكي مع إيران؟

إذا كان نظام العراق هو واسطة "التنسيق" -الذي لا ينقطع نفيه رسميا- مع بقايا الأسديين في سورية، فإن المحادثات المباشرة، الأمريكية والسعودية-الإيرانية على مستويات سياسية عالية، هي واسطة "تنسيق" أهم -ولم يتم نفيه رسميا بشكل قاطع- مع إيران.

ليست مؤشرات التنسيق المعتمدة سياسيا مشاركة طائرات إيرانية في الحملة الجوية، ولا إعطاء معلومات عن مواعيد غارات جوية، وتوجد دول أخرى في التحالف لا تشارك بالطائرات ولا تحصل مسبقا على معلومات..

وليس من المؤشرات وجود من يمثل النظام الإيراني في "غرفة قيادة العمليات" فهي قيادة انفرادية، ومن يشارك فيها تبقى مشاركته شكلية.. وبعضها للتنفيذ وليس للتقرير أصلا..

المعيار الجوهري في "الانتساب إلى التحالف" هو أن ما يراد الوصول إليه يحقق أهدافا كلية أو جزئية للمشاركين فيه.. أو هم "مجرد أتباع".. وبهذا المعيار كان التنسيق "الواقعي" مع إيران أكبر منه مع بلدان أخرى كالسعودية مثلا، وهي المشاركة على أكثر من مستوى في عمليات التحالف.

 

ماذا يريد نظام إيران وتريده قيادة التحالف؟

(١) التأكيد المتكرر مع التنفيذ لعدم التعرض لبقايا القوات الأسدية بأذى مباشر في عمليات التحالف، هو ما يريده النظام الإيراني، وهو ما يصنعه التحالف.

(٢) استهداف المقاتلين من فصائل ثورية سورية علاوة على استهداف داعش، ودون استهداف أي فصيل إرهابي يشارك البقايا الأسدية في فجورها العسكري الهمجي، هو ما يريده النظام الإيراني، وهو ما يصنعه التحالف.

(٣) وقف الأنشطة الثورية عبر نشر الانطباع بعدم جدواها الآن، وهذا غرض إيراني وغرض التحالف فوق كل غرض آخر، وهذا ما يخدمه التركيز الواسع النطاق على نشر الوهم الكاذب بأن العمليات ستستمر لسنوات، وأن إعداد ما يسمى "المعتدلين" سيستمر سنوات، بل إن "تجميد" مسار الثورة، هو في مقدمة القواسم المشتركة بين نظام إيران والتحالف، بعد أن عجز الأسديون وحلفاؤهم عن وقف هذا المسار.

(٤) ما يجري على أرض لبنان بمشاركة الجيش اللبناني، يصب بنتائجه مباشرة فيما يريده النظام الإيراني وأذياله، وما كان الجيش اللبناني ليتحرك بهذا الأسلوب لولا حصوله على ضوء أخضر ممن يمولون تسليحه، وهؤلاء موجودون في مقدمة التحالف، وهذا جانب آخر من جوانب التلاقي الوثيق، سواء بتنسيق أو دون تنسيق، بين التحالف وإيران.

(٥) يمكن توسيع دائرة النظر في هذا التلاقي الوثيق، عبر رؤية أبعاد إقليمية أخرى، فليس ما جرى ويجري في ليبيا ومصر بعيدا عما يجري تجاه سورية والعراق.. والمثال الأوضح والأظهر للعيان ما يجري في اليمن، أي التعامل مع "الحوثيين"، فهؤلاء لم يتعرضوا لخطر كبير من قبل، كخطر طائرات أمريكية دون طيار مثلا، بل أُنهك الجيش اليمني الرسمي عبر حملته الأخيرة في الجنوب، وبقيت الدول الخليجية ذات المصلحة المباشرة "تتفرج" طوعا، أو كرها، بقرار ذاتي، أو قرار "فوقي" أمريكي، حتى إذا أصبح الحوثيون على ما هم عليه، لم يعد مجهولا ما أصبح عليه حجم الوجود الإيراني المباشر في اليمن، وكان في مقدمة مؤشراته التفاوض على الإفراج عن "إيرانيين معتقلين" قبل الإفراج عن "معتقلين حوثيين".. بصورة تذكّر بما شهدته أرض الثورة في سورية أيضا.

 

علام لا تتم مشاركة إيران رسميا في التحالف إذن؟

لقد أصبح التلاقي الإيراني-الأميركي قريبا إلى أبعد الحدود مما كان عليه في عهد الشاه قبل "الثورة الإيرانية" عام ١٩٧٩م، ولكن ما يجري ترسيخ دعائمه لهذا التلاقي الآن يحمل "أبعادا استراتيجية"، ولهذا لم يكتمل حتى الآن التوافق على جميع جوانبه، إذ يريد الأمريكيون أن يكون التلاقي ما بين دولة مهيمنة عالميا، وقوة مهيمنة إقليميا، فلا تخرج حدود دورها عموما عن "إرادة الهيمنة العالمية"، ولهذا توجد في الوقت الحاضر محاور من العلاقة الثنائية موضع "صراع"، جنبا إلى جنب مع محاور عديدة موضع "توافق".

وقد شهدت سنوات التحول من عهد الشاه ودوره، إلى حقبة الحصار والقطيعة مع إيران، سلسلة أحداث كبرى، شملت حتى "الحرب العراقية-الإيرانية".. ومن الطبيعي أن تشهد سنوات التحول المعاكس الحالي باتجاه التوافق سلسلة أحداث كبرى، ويزيد على ذلك أنها تتزامن مع ما صنعته الثورات الشعبية العربية من معطيات جديدة على غير انتظار.

بتعبير آخر:

إن المرحلة الحالية في العلاقات الأمريكية-الإيرانية مرحلة انتقالية، والإعلان عن خطوة حاسمة من مستوى المشاركة الإيرانية في تحالف أمريكي، يتطلب مراعاة عوامل مرتبطة بالماضي القريب، والمثال على ذلك:

قبل نصف قرن كان من السهل نسبيا تطويع دول الخليج كرها لدور الشاه شرطيا للخليج، بينما بلغ التأجيج الأميركي للصراع المذهبي السني-الشيعي، بمشاركات إقليمية، مبلغا كبيرا وأصبح "العداء مع إيران" محور السياسات الخليجية.. وبالتالي لا يسهل „تطويع“ دول الخليج الآن ما بين ليلة وضحاها لدور إيراني جديد، كما لا يسهل تسويق ذلك على المستوى الشعبي تخصيصا.

وتشير إلى ذلك خلافات أمريكية-سعودية نشبت مع بدايات طرح المفاوضات المباشرة حول الملف النووي، وتم تجاوزها في هذه الأثناء، وقطع مسار "التطويع" شوطا حاسما.

 

ما المنتظر؟

لا بد من "تفكيك" المشهد الإقليمي الحالي، لاستشراف ما يمكن أن يسفر عنه بعد "إعادة تركيب" يجري العمل لها للخارطة السياسية الإقليمية.

(١) تجاوز الدور الإقليمي الإيراني موقع "شرطي مياه الخليج" إلى تغطية مثلث "حصار دول الخليج" أي عبر الوجود الإيراني في اليمن ولبنان وسورية والعراق..

(٢) ولكن لا يراد لهذا الدور أمريكيا، أن يصل إلى مستوى الحلول محل الدور الإقليمي الإسرائيلي، وهذا ما يشمل في الدرجة الأولى الخلاف على مدى حدود القدرات النووية الإيرانية، وعلى "حجم" مفعول القرار الإيراني داخل الحدود السورية واللبنانية.

(٣) حيثما ينتظر أن يتقاطع المشروع الإيراني مع المشروع الصهيوني، يجري العمل على "تقليص" النفوذ الإيراني، والأرجح أن يشمل ذلك سورية ولبنان بعد العراق..

(٤) في الوقت نفسه بدأ العمل على "تفعيل" دور كردي إقليمي، وهذا ما يمكن أن يشغل تركيا بعد أن أصبحت مستهدفة غربيا أيضا، كما يمكن توظيفه في تأجيج النزاعات حول "القضية" على المثلث الإيراني-العراقي-التركي، علاوة على سورية.

(٥) توجد دوما "مقايضات" علنية وخفية، ومن الظاهر علنيا تحول واضح في التعامل الخليجي، لا سيما السعودي والإماراتي، مع اليمن والعراق، بعد "إطلاق يد الدولتين" في مصر وليبيا مؤخرا.. بينما بقي مسار التعامل مع الوضع الثوري في سورية رهنا بما يمكن تحقيقه تحت عنوان "قوى معتدلة".. أي قوى تصلح لأدوار مشابهة -إن لم تكن متطابقة- مع دور الانقلابيين في مصر وليبيا.

. . .

لهذا يجب التأكيد أن وضع "داعش" في الواجهة، لا ينبغي أن يواري عن الأنظار حجم ما يجري العمل لتحقيقه، ولكن دون أن نغفل أيضا عن هدفين آخرين من وراء التركيز على داعش:

أولهما: تبرير التحرك الغربي الجديد في الدول الغربية نفسها، عبر عنصر "التخويف من الإسلام" المجرب سابقا..

وثانيهما: حملة متجددة للتنفير من الإسلام نفسه، عالميا وعلى مستوى المسلمين، بعد إخفاق حملات سابقة في ظروف أخرى.

نبيل شبيب