تحليل – عين العرب / كوباني في بؤرة الاهتمام

لا نتساءل عن التركيز على عين العرب / كوباني، لاختلافها عن سواها، بل للتعامل الهادف مع خلفيات هذا التركيز

42

ثوريا.. ووطنيا.. وسياسيا لا يصح أن نتساءل عن أسباب التركيز الملحوظ على مدينة عين العرب / كوباني، كما لو أنها أقل شأنا من المدن السورية الأخرى، أو بسبب الغالبية الكردية فيها، ولا حتى بسبب الدور الذي كان لحزب العمال الكردستاني عبر الاتحاد الكردي الديمقراطي.
تراب سورية جميعه يتساوى ذرّة ذرّة من حيث قيمته وأهميته ووجوب تحريره من الاستبداد والفساد والهيمنة الأجنبية.
أهل سورية جميعا متساوون فردا فردا من حيث حقوقهم وحرياتهم ولا يستثنى من ذلك إلا من يستثني نفسه بنفسه عندما ينسلخ من وطنيته وانتسابه لأهل وطنه، فيشارك في أفاعيل الاستبداد والفساد والهيمنة الأجنبية، ويعمل على سلب الآخرين حقوقهم وحرياتهم.
رغم ذلك يبقى السؤال محقا عن أسباب التركيز على عين العرب / كوباني من منطلقات أخرى، فما كان من إنتاج أهل سورية وهم يواجهون ما يواجهون في مختلف أرجاء الوطن وحتى في شتات التشريد، بل انطلق التركيز ممن يشاركون في العبث بأوضاع أهل سورية الحالية ومستقبلهم، فالسؤال يستهدف معرفة ما يريدون، للتعامل معه ولمواجهته عند الضرورة، وليس للسقوط في فخ الترويج لانقسامات سورية – سورية على المستوى الشعبي والثوري، فهذا ما كان ديدن الاستبداد أن يوظفه ليمارس التسلط الهمجي، وهذا ديدن قوى إقليمية ودولية عديدة توظفه لتمارس هيمنتها.
توجد أبعاد عديدة لوضع عين العرب / كوباني في بؤرة الاهتمام، ومن ذلك مثلا لفت الأنظار عن الجرائم الهمجية التي ما تزال بقايا النظام ترتكبها، إنما تكتفي الفقرات التالية بتناول بعض هذه الأبعاد.

. . .

علاوة على أهل المدينة ومن يدافع عنها بطبيعة الحال، يمارس التركيز على المدينة طرفان: داعش والقوى الإقليمية والدولية "المتحالفة" ضدها كما يقال، وهي نفسها المتحالفة ضد ثورات تحرير الإرادة الشعبية. 
لا شك أن استهداف داعش للمدينة الحدودية مع تركيا، ذات الغالبية الكردية، كان مقصودا فور تحرك ما سمّي التحالف الدولي ضدّها، ويكشف هذا الاستهداف عن وجود من "يفكر ويخطط" لارتكاب الأفاعيل الداعشية، سواء من قياداتها أو ما يسمى عناصر الاختراق الاستخباراتية فيها، ويعني التركيز الداعشي:
١- حرص داعش على وضع "الاستراتيجية الأمريكية للتحالف" على المحك بصورة مكشوفة بعد أن التزمت بالتركيز على العراق وبالتالي تثبيت نظام حكم مهلهل يتبع لإيران وللأمريكيين، والتزمت باستثناء أي عمل يلحق ضررا مباشرا في الوقت الحاضر ببقايا النظام الأسدي التابع لإيران أيضا.
بالمقابل أظهر أصحاب هذه "الاستراتيجية" اهتمامهم بالمدينة على خلفية سعيهم هم، قديما وحاليا، لدعم وجود "قوة كردية إقليمية"، ليس حبا بالأكراد والقيم الإنسانية، فهم كسواهم من شعوب المنطقة، ولكن لاستغلال الحقوق الكردية المشروعة وتوظيفها في نشر "الفوضى الهدامة" وقد أصبحت هدفا أمريكيا ثابتا وشاملا لمجموع المنطقة الإسلامية.
٢- إدراك داعش أنها من خلال المواجهات في هذه المدينة تضع تركيا بين "نارين"، فلا هي راغبة في أن تحقق داعش انتصارا خطيرا على حدودها، ولا هي راغبة في أن يتحقق الانتصار المعاكس فيدعم موقع حزب العمال الكردستاني بين الأكراد وإقليميا.
بالمقابل وجد ذلك توافقا كاملا مع "استراتيجية التحالف الأمريكية"، التي استهدفت من البداية تركيا مع استهداف الثورات الشعبية العربية في المنطقة بمجموعها، وهذا مما يفسر الحرص على إطالة فترة المواجهة، عبر تجنب الإغارة الفعالة على الإمدادات مثلا، وهي تصل إلى داعش يوميا عبر طرق طويلة مكشوفة، بالإضافة إلى الضجة السياسية والإعلامية لممارسة مزيد من الضغوط "الداخلية" والدولية على الحكومة التركية.
٣- تعلم داعش أنه مهما كانت الحدود آمنة وتحت الحراسة، فليس مجهولا عند أحد من الخبراء السياسيين والعسكريين، أن السيطرة على جانب منها، يعني تأمين خطوط إمداد إضافية عبر وسائل التهريب المعروفة، للبشر والعتاد، وهذا ما يشمل طرق تصريف النفط المغتصب، ولا ريب أن حاجة داعش إلى ذلك تزداد بقدر ما تتعرض مواقعها في العراق وسورية للغارات الجوية، رغم أنها قليلة محدودة بالعرف العسكري.
بالمقابل تعتبر الآبار والخزانات والمنشآت النفطية على الأرض السورية عموما، هدفا "رئيسيا" في "استراتيجية التحالف الأمريكية"، ليس بسبب داعش فقط، ولا بسبب بقايا النظام الأسدي قطعا، بل لأنها "ثروة سورية" مستقبلية ويمكن أن تخدم حاليا أغراض الثوار وخدمات حاضنتهم الشعبية ما بين الحدود العراقية وحمص، ويلاحظ في الغارات العسكرية استهداف تلك المنشآت أكثر من استهداف مخازن السلاح أو طرق نقله.
٤- سبق أن رصدت داعش نشوب صدامات لم تكن شديدة بين فصائل الأكراد لا سيما ما يتبع منها للاتحاد الكردي الديمقراطي الذي سبق وأعلن عما يشبه "إدارة ذاتية بملامح انفصالية" وبين الفصائل الثورية التي لا تميز بين بقعة وأخرى من أرض سورية، وبالتالي كان في حسابات داعش عبر استهداف "عين العرب / كوباني" أن الأكراد لن يجدوا نصيرا من الفصائل الثورية، وليس مجهولا أن الانفراد بهم في المدينة وريفها، يعني إضعاف "جناح" من أجنحة الأكراد مما لا يمكن فصله عن استهداف داعش للإخوة الأكراد في شمال العراق أيضا. 
بالمقابل نجد أن داعش لعبت بذلك بورقة "فرق تسد" التي تتقنها القوى الاستبدادية والاستعمارية منذ زمن طويل، ولا تزال تمارسها حتى اليوم، فلا غرابة أن تتلاقى داعش والقوى الإقليمية الدولية في التحالف على تركيز الاهتمام والأنظار والسياسة والإعلام على هذه المدينة، لما يمكن تحقيقه على المدى المتوسط والبعيد، بغض النظر عن العمليات العسكرية الجارية نفسها، والتى تتميز بإطالة المواجهات، وبالتالي تعزيز مفعول الأهداف المذكورة.

. . .

في هذا الإطار يمكن القول:
أدركت تركيا أبعاد المشكلة، ووجدت نفسها فعلا بين نارين، ولكن استطاعت تدريجيا أن تجد "حلا جزئيا"، يشمل المساعدة الإنسانية من البداية، والاعتماد في تقديم العون للمدينة على شركاء أكراد آخرين من العراق، لتخفيف مفعول المحور الرئيسي للمواجهة، الذي يعتمد على المقاتلين من أنصار حزب العمال الكردستاني عبر الاتحاد الكردي الديمقراطي.
كما أدرك فريق من الفصائل الثورية في سورية أبعاد المشكلة، وصحيح أنهم لا يستطيعون تقديم عون كبير للمدينة بسبب الجبهات الأخرى المعروفة، ولكن مشاركتهم الرمزية في الدفاع عن المدينة، من شأنها التخفيف من أسباب عدم الثقة وأسباب النزاع السابقة، والتمهيد للتركيز على القواسم المشتركة التي يجب أن تجمع على أرضية الثورة في سورية، جميع من عانى ويعاني من الهمجية الأسدية وارتباطاتها الإقليمية والدولية.

نبيل شبيب