خاطرة – ديمومة الصراع وديمومة الثورة

نحتاج إلى رؤية متكاملة، لتكون نهاية العهد الاستبدادي الفاجر بداية لنهوض مستقبلي

44

لا شك في وجود مؤشرات عديدة منذ فترة على أن القوى الإقليمية والدولية تلتقي على قاسم مشترك غير معلن رسميا، هو أن هذا النظام أو ما بقي منه، لم يعد يصلح للاستمرار، ولكن لا يراد استكمال إسقاطه نهائيا ما دام لا يوجد „بديل“ يضمن إمكانية التعامل مع تلك القوى وفق رؤاها ومصالحها ومطامعها، بغض النظر عن الثورة وعن الضحايا في سورية نفسها.
بقايا النظام لا تملك أمر نفسها منذ فترة، بل تنفذ القرار الذي يصنع في طهران وموسكو، ولا تنقطع المساومات الإقليمية والدولية معهما.
لا يتجاوز الأمر حدود التكهنات في الوقت الحاضر، وإذا صحت فغالبا ما يكون تنفيذها عبر ترسيخ بديل ما مفاجئا، أي عبر ما يشبه „الانقلابات العسكرية“، مع محاولة تسويقه شعبيا من خلال تخفيف المعاناة وتفريغ المعتقلات، وفي تلك الحالة تتشكل موجة شعبية من الضغوط ترافق „الضغوط“ ذات العلاقة بالتسليح والتمويل، وتستهدف من يتمسك باستمرار الفعاليات المسلحة للثورة، إنما ستكون الدفعة الأكبر لتلك الصيغة التوافقية من خلال تقوية أجنحة مسلحة في الثورة على حساب أخرى، وهذا ما يعنيه تكرار الحديث حول „معارضة معتدلة“، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى „ديمومة الصراع“ ولكن بجبهات جديدة في المرحلة المقبلة، إلى أن يتم „فرض الصيغة التوافقية“ الدولية والإقليمية.

. . .

لا يخفى أن مثل هذا الاحتمال المرجح  ينسجم حاليا مع ما بدأت معالمه تتبين بشأن „إعادة صياغة خارطة المنطقة“ مما يمتد من تونس وليبيا، عبر مصر واليمن، ويصل إلى سورية والعراق.
ولكن لا يغير ما سبق شيئا من مسار الثورة الشعبية في سورية إذا رأيناه كما هو: بوابة تغيير تاريخي بعيد المدى، وليس مجرد „حركة سريعة“ لاستبدال سلطة بسلطة، كما غلب على رؤية معظمنا للثورة في العامين الأولين بعد اندلاعها.
وسواء صحت التكهنات أم واجه مسار الثورة احتمالات أخرى، مما يصنع خارج نطاقها للانحراف بأهدافها القريبة والبعيدة، فإن المطلوب مقابل ذلك، استمرارها بالوسائل الحالية وسواها على أساس رؤية متكاملة، تشمل ما يجب التعامل معه مرحليا في اللحظة الآنية، وتشمل في الوقت نفسه ما يجب إعداده على المدى البعيد لتكون نهاية العهد الاستبدادي الفاجر بداية لنهوض مستقبلي، وليس بداية صناعة استبداد جديد بمسميات جديدة.

نبيل شبيب