في الصميم – البرزخ رحلة فاصلة بين عالمين – بقلم شام صافي

هذه بعض حالات البرزخ، برزخ يفصل بين موت وحياة أو بين حياة دنيئة وحياة واعدة

79
البرزخ

ــــــــــ

عنوان نعيش تفاصيله اليوم.. هي الحياة التي سننتقل بعدها من موت إلى حياة، من استبداد إلى حرية
أشبه بمرحلة إنتاش لبذرة فاصولياء تجففت بعد حياتها الخضراء، فقد أعطيت ماء الحياة الجديدة لتحيا من جديد وتخضرّ وتتأهل للإثمار بعد أن كمنت فترة موات طويل جففها
نعم ربما لم أشعر بتلك البذرة في هذه المرحلة حتى اليوم.

هي مرحلة تفصل بين كل نقيضين كما تفصل بين حياة وحياة أخرى مختلفة تماماً بكل المقاييس
أود أن أوصل لكم الحال التي نعيشها اليوم ولم أجد وصفاً أدق وأصدق من هذه الكلمة “البرزخ”.
هذا ما نعيشه اليوم.. حالة من البرزخ.

في موقف واحد، في دقيقة واحدة، في ساعة واحدة تشعر بالنقائض. بجرأة لم تعهدها تنقلب بلحظات إلى خوفك القديم، ثم مواجهة يعقبها انكفاء يعقبها جرأة، كأمواج البحر تتلاحق بين انسحاب ولطم لصخور الشاطئ القاسية.. لا تكلّ أو تمل بين سحب وجذب، بين مدّ وجزر.

في أحد الأماكن الثائرة وبعد تلك المظاهرة وقفت أنتظر، أترقب أولئك المسلحين، وأنظر في عددهم وما يرتدون وأمعن في تشكيلاتهم التي أراها.. منهم من كان باللباس العسكري، ومنهم بلباس أسود، ومنهم باللباس المدني قرب تلك الباصات الخضراء الكبيرة.. يدلّك عليهم قسمات قاسية في وجوه غريبة وتصرفات وألفاظ، وكثيرون منهم بنظرات حاقدة متجبرة متكبرة.. يمرّ قربي منهم اثنان أحسبهما من الفرقة الرابعة: وهنا مرّت اللحظات كقصة طويلة.. ودارت بيني وبين نفسي أحاديث متضاربة تعكس مرحلة وحالة مثالية للبرزخ الذي أخبرتكم عنه.. حينما مرّوا وبلا إرادة مني وضعت نظري في الأرض، لتهبني لحظات عزة، مجابهة لباطل، وذكريات وإباء ورفض للخنوع، وكرامة أنهكها من يمثلهم هؤلاء.. فيرتدّ إليّ طرفي بنظرة غضب وتحدٍّ تتركز في عيني أحدهما، حينها جرى بداخلي حديث طويل: إنهم وفي هذا المكان قد يطلقون الرصاص عليك ويكون ثمن نظرتك الحادّة تلك رصاصة بخسة تردي لحماً لا يقاوم إلى قتيل ضائع.. لكن عيناي لم تباليا بهذا الحديث لأن طعم الجرأة في مواجهة الباطل أخذ من الكيان مكانه.. بين خوف ولا خوف، بين جرأة وحياء، بين عزة وتقية، وقد تكون لحظة بين ميتة وحياة.. مشاعر وتفاصيل متضاربة تناوبت في لحظات.. كبرزخ طويل انتهت خواطره سريعا بصدفة غير متوقعة فقد كانت ردة الفعل أنّ نظرَ ذاك العسكري أطرق إلى الأرض حتى تجاوزني.

اليوم أعلن أنه من المستحيل لمن أطلق سراحه أن يعاد للأقفاص..
من ذاق طعم الحرية لا يعجبه نكهة استبداد قديمة، بعد أن ابتعدت عن سطوة الاستبداد، اضطرتني زيارة ما لذاك المكان حسبت حساب مواجهتها لأيام بعد أن غادرت ذاك العالم حتى يتم تنظيفه بعد فجر الثورة وإسقاط النظام..
تساءلت: ترى كيف سيكون أول لقاء بالماضي وقد أصبحت حرة وسأقابل من لا زال هناك في العالم القديم الذي خلفته ورائي مرسوفا في الأغلال -آسفة وغير آسفة- هو تحت نير استخدام وتطويع وترويض واستعباد.

شعرت في اليوم الموعود أنني سآتي من عالم آخر وأنني سأزور الآن عالماً مختلفاً تماماً عما كنت أعيشه قبل حوالي سنة، هنا بالضبط ومع اللقاء تشعر ببرزخ بين حياة استبداد وحرية، لما قابلتهم وجرى بيننا الحديث.. جرى بين آتٍ من عالم آخر ليزور من بقي له في الماضي.. قد اختلفت المفاهيم بيننا، اختلفت الرؤى، أصبحنا لا نفهم على بعض كما كنا.. رأوني حينها شخصاً يصرّح باعتبارات جديدة وكانوا يقرؤون العيون ويشتمّون من كلماتي معاني ألفاظ لم يعهدوا طرقها في ذاك المكان، ومفاهيم أخرى لم يعتادوا التفكير فيها.. حقاً هو شعور أشبه بقادم من عالم الآخرة ليخبر من في الدنيا عن روعة ما يعيشه من حياة بينما هم يظنونه قد فقد حياته.

هذه بعض حالات البرزخ.. برزخ يفصل بين موت وحياة أو بين حياة دنيئة وحياة واعدة.. المهم أنها مرحلة تفصل بين حياتين، هو مرحلة صعبة كامنة كامدة كابتة بنفس الوقت، لامعة ومّاضة تضيء كوجه القمر في ليل بائس.
نحن نعيش فيها مرحلة انتقال تجمع وتحمل فيها كل المتناقضات.

شام صافي